خطبة عن الشباب
الخطبة الأولى
أما بعد، فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ عنهم فمات، فميتته جاهلية.
عباد الله : ما من أمة بادت .. وأخرى قامت، إلا ولها شعار ترفعه، ووسام تفتخر به، به ترتقي سلم عزها ، وبه تجالد خصومها، كان ذلك وما يزال محط أنظار الدول واهتمامها، ومصدر قوتها وعزها، ثم أن في الأمة شريحةٌ هي في أي مجتمعٍ عماده وسلاحه، وقوته وقيامه ، بدونهم لا تقوم لهم قائمة، وبفقدانهم حسًا أو معنىً تبقى الأمة حبيسة التخلف والضعف، قابعة في مؤخرة الركب، لابسة أثواب الذل والصغار ..
إنهم .. الشباب .. عماد الأمم، وسلاح الشعوب، يؤثرون في الأمة سلبًا أو إيجابًا، يدفعون عجلة التأريخ للأمام ، نحو أمل مشرق، ومستقبل مضيء، أو يديرونها إلى الوراء جهلاً وحمقًا ، هدماً وفساداً .
والتاريخ يشهد بذلك ، والأيام تزخر بالصور والعبر ..
عباد الله، إن أذية المؤمنين والناس أجمعين بغير حق من أشد المظالم، وأعظم المآثم التي توعد الله أهلها بالوعيد الأكيد، وتهددهم بالعذاب الشديد، في مثل قوله ـ سبحانه ـ: ((وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً)).
ومن أعظم أذية المؤمنين والناس بغير حق قتلهم بغير حق، قال تعالى: ((مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)).
أيها الأخوة : لغة الأرقام حين تنطق تذهل السامع وتخرس المجادلين لا سيما إن كانت من قوم صادقين ولا مصلحة لهم في الكذب والتزوير فإحصائية عام واحد من حوادث السيارات ، قريباً من أربعة آلاف قتيل وأكثر من واحد وثلاثين ألف جريح من جراء مائة وثلاث وعشرين ألف حادث ، بلغت تكاليفها أكثر من ثمانية عشر مليار ريال هذا كله في عام واحد فقط ، وهل تعلمون أن ثلث أسرة المستشفيات يرقد عليها ضحايا الحوادث ،وأن عدد قتلى الحوادث في الربع قرن الماضية بلغ خمسة وستون ألف قتيل وأكثر من نصف مليون مصاب ، وبقي أن تعلموا أن أكبر الأسباب لارتفاع هذه االأرقام هو تسليم السيارات لأطفال السن أو أطفال العقول
أيها الآباء، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
يقول : ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة)).
أرواحاً تزهق، ونساء تترمل، وأسراُ تفنى، وأطفالاً تيتم،وأعضاء مبتورة ، وإعاقات مستديمة ، منشآت تهدم ، ومصالح تعطل ، وملايين الريالات تهدر ، فالمستشفيات وما تستقبله والمقابر وما تحتضنه وملاجئ الأيتام ودور الرعاية الاجتماعية وما تغص به ، كل أولئك أو جلهم ضحايا التهور وعدم المسؤولية، فواجع تصل إلى حد الهلع، وخسائر تصل إلى حد الكوارث ، قطع للأطراف ، عاهات وكسور ، أشلاء ومشلولون ، صور مأساوية ، ومشاهد مروعة .
أطفال في عمر الزهور ، وشباب في ريعان الأعمار ، يذهبون هدراً ، ويموتون قهراً ، ما حال الأم الرؤوم ، والأب الحنون ، وقد أزهقت روح أبنهما اليافع ، وحبيبهما الأمل ، ما حال الأسرة المسكينة وقد حل بها معاق، علاجه مكلف، والكد عليه مرهق،وما حال هذا المعاق ، الذي أصبح مقعداً عاجزاً عالة على أهله ومجتمعه ودولته ، حسرات ، وآهات والآم ، تخرج بعد فوات الأوان ، و بسبب ماذا كل هذا؟ بسبب التهور، والطيش
شباب طائش مغيب مقلد ، وسياراتهم كالأسلحة الفتاكة ، تحصد الأرواح، وتهدم البيوت ، أليست هذه صورة صارخة من الإرهاب والتطرف المنسي ، تستحق من الاهتمام والمتابعة والدراسة ، والعلاج ما نالته الصور الأخرى منه ، خصوصاً أن شباب الأرهاب قد اعترفوا أنهم وقعوا ضحية غزو فكري إرهابي متطرف ، وشبابنا الآن يعيشون عصر ثورة المعلومات، و الانفتاح على جميع الثقافات ، وقد تواترت الشكوى من هؤلاء الشباب ، وكيلت لهم التهم ،ورمي عليهم كامل المسؤلية ، وأنهم جيل المقاهي الليلية، والشبكات العنكبوتية، والقنوات الفضائية، والمعاكسات الهاتفية، جيل التفحيط والتهور، و التخنث والميوعة، جيل القصات الغربية، والرقصات الهستيرية، و الغناء والطرب، و الأفلام والجريمة، جيل القيعات والبدلات، جيل الأندية والتشجيع، جيل التفريط والتضييع، و الخروج على القيم، جيل تضييع الأخلاق، و تقليد الأعداء، والسخرية من الأصدقاء،وأنهم استبدلوا القرآن بالغناء، والمساجد بالمقاهي، والسواك بالسيجارة، وكثير من هذا حق وصحيح ، لكن جميع ذلك وغيره من مثله إنما هي أعراض المرض الظاهرة ، ولكي نعالج المرض من أساسه لا بد من معرفة أسبابه :
وأول أسباب المرض وأخطرها / التناقض في التوجيه ، فإعلامنا يبدأ بالقرآن ويختم به ، وبين لك يبث السم الزعاف ، ويناقض نفسه بنفسه ، فقرة تبني ، وعشراً تهدم ، ربع صفحة للدين ، وملحق للرياضة والفن ، يدعون إلى الإصلاح ويضيقون على الدعاة ، تنفق الملايين من الأموال والجهود للوقاية من الجريمة ، ثم تهيئ أسبابها وبواعثها في كل مكان ، مناهجنا تدرس شيئاً ، والواقع شيئ آخر ( فالغناء والسفور والإختلاط والربا حرام – لكن وسائل الإعلام من خلال برامجها ودعاياتها تقول غير ذلك ) الحجاب الشرعي يوجد في أماكن ويختفي في أخرى ، صور كثيرة من التناقضات ، تجعل ميزان الخير والشر ، والصح والخطاْ يختل تماماً لدى الشاب
نقول لأبنائنا الشباب وفتياتنا الشابات ، قدوتكم العليا ، ونجمكم المفضل هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وصحابته الكرام ، ويقول لهم الإعلام وغيره ، قدوتكم اللاعب الفلاني ، والراقصة الفلانية ، ونجمكم المفضل هو الفنان الفلاني ، والفنانة الفلانية ، ما ذا نريد من شبابنا وبناتنا أن يفهموا ويعملوا عندما نملأ أسماعهم وأبصارهم وعقولهم بأخبار هؤلاء صبح مساء ،، مما يجعل الشاب لا يهتم بعلم ولا عمل، وليس له في تحقيق العزة والتمكين همٌّ ولا أمل، بل همُّه الوحيد وأمله الفريد أن يصبح بطلاً من الأبطال الورقية ونجماً من النجوم الكرتونية!!
ماذا نتوقع منهم عندما يقارنون بين مجتمعهم الأسري المحافظ ، وبين ما يرونه الإعلام والمتنزهات والمستشفيات والمطارات ..
ماذا نتوقع أن تكون ردة فعل الشباب عندما يرون ويسمعون أن المغني الفلاني أو الراقصة الفلانية يتقاضيان عن الليلة الواحدة ، مايتقاضاه الشاب الشريف في سنه كاملة ، هذا إذا كان له راتب يتقاضاه ،
القاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
فقبل أن نلوم الشباب نلوم المسؤلين عنهم من أباء ومعلمين وموجهين وإعلام ومراكز توجيه ، نقول للجميع أتقوا الله في الشباب ، أتقوا الله في الشباب ،
ويا معشر الأباء قوموا بواجبكم تجاه أبنائكم ومن ولاكم الله أمرهم، واعلموا أن الأمانة ثقيلة فقوموا بها حق القيام واستشعروا المسؤلية التي عنها ستسألون ،
ونقول للشباب أتقوا الله في شبابكم ، نوصيهم بوصية العبد الصالح لقمان
((وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَٱقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلاْصْوٰتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ)).نوصيهم بوصية الله ((وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً *كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا(()
بارك الله .......
الخطبة الثانية
الحمد لله و.........
فدين الإسلام دين صالح للواقع والحياة، يعامل الناس على أنهم بشر، لهم أشواقهم القلبية، وحظوظهم النفسية، فهو لم يَفترض فيهم أن يكونَ كل كلامهم ذكراً، وكل شرودهم فكراً، وكل تأملاتهم عبرة، وكل فراغهم عبادة. كلا، ليس الأمر كذلك، وإنما وسع الإسلام التعامل مع كل ما تتطلبه الفطرة البشرية السليمة، من فرح وترح، وضحك وبكاء، ولهو ومرح، في حدود ما شرعه الله، محكوماً بآداب الإسلام وحدوده ، إن الترويح الذي مارسه الرعيل الأول ليس عبثا، بل ترويح تترتب عليه مصالح وفوائد، لا يتضمن سخرية بالآخرين ولمزا بالمسلمين، ولا غيبة ونميمة، لا يتضمن كذبًا وافتراءً، ولا يتضمن أذية للآخرين ولا فساداً في الأرض ، واسمعوا إلى هذا الحديث العجيب ممن لا ينطق عن الهوى ومن أوتي جوامع الكلم ، صلى الله عليه وسلم ، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كل ما يلهو به الرجل المسلم؛ فهو باطل؛ إلا: رميه بقوسه، أو تأديبه فرسه، أو ملاعبته أهله؛ فإنهن من الحق ))
ففي هذا الحديث دليل على أن كل لهو يلهو به ابن آدم باطل ممنوع، ما عدا هذه الثلاثة التي استثناها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإنها من الحق، أو وسيلة إليه.
فليس من الترويح المباح التجول في الشوارع والأسواق، وتتبع العوارت، والجلوس في المقاهي والطرقات، الترويح في الإسلام ليس كأي ترويح، بل يجب أن يكون بريئًا من كل إسفاف، أو خروج على الأخلاق الإسلامية.
ثم إن الترويح في حياة أمة الإسلام ليس هو كل شيء في حياتها، تصبح وتمسي عليه، وإنما هو ترويح بقدر، لئلا يزحف على الأعمال الجادة، والواجبات الأخرى، ولأن عمر الإنسان أغلى وأسمى من أن تُضيَّع أيامه بين لهو عابث، وعبث باطل، النفس التي تفرغ من الجدّ تنتهي إلى حالة من الشر والانحلال، وخطورة الفراغ أنه لا يبقى فراغًا أبدًا، فلا بد أن يملأ بخير أو شر، ومن لم يشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل.
وقد وَرَد في مأثور الحِكم عن بعضِ السّلف رحمهم الله قوله: "مَن أمضى يومَه في غير حقّ قضّاه أو فرضٍ أدّاه أو مَجد أثَّله أو حمدٍ حصَّله أو خير أسَّسه أو علمٍ اقتبسَه فقد عقَّ يومَه وظلم نفسَه
فاتقوا الله عباد الله .........وصلوا عباد الله .....
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
Tafadhal,,,uktub yang shalih