ملخص الخطبة: 1- الأمر بتقوى الله والصدق. 2- فضل الصدق ومكانته. 3- قصة كعب وصدقه.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وكونوا مع الصادقين. اصدقوا مع الله واصدقوا مع عباد الله، ((فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)).
أيها المسلمون: إن الصدق بجميع أنواعه محمود. إن الصادق محبوب إلى الله وإلى الخلق. إن الله يرفع ذكره، ويزيد أجره.
وإن أبين دليل على ذلك ما يحصل من ثناء الناس على الصادقين في حياتهم وبعد مماتهم، أخبارهم مقبولة وأمانتهم موثوقة، قد أفلح الصادقون وخاب الكاذبون.
هذا كعب بن مالك صدق الله ورسوله فرفع الله ذكره، وأنزل في شأنه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، تخلف عن غزوة تبوك فلم يخرج مع النبي بلا عذر فلما رجع النبي جاء المتخلفون من أهل النفاق يعتذرون كذباً فيعذرهم ويكل سرائرهم إلى الله، ثم جاء كعب فتبسم النبي في وجهه تبسم المغضب وقال له: ((ما خلّفك؟)) فقال: والله لقد علمت لو حدثتك اليوم بحديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك بصدق تجد علي فيه إني لأرجو عقبى ذلك من الله عز وجل، والله ما كان لي من عذر قال النبي: ((أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك))، وكان معه رجلان من المؤمنين تخلفا بدون عذر فنهى النبي الناس عن كلامهم قال كعب فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، ولقد كنت أطوف في الأسواق فما يكلمني أحد وآتي رسول الله وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأسلم عليه أقول في نفسي: أَحرّك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ حتى إذا طال ذلك علي من هجر المسلمين تسلقت حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فوالله ما رد علي السلام فقلت: يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فسكت فأعدت عليه فسكت ثم أعدت فسكت فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت.
فبينما أنا أمشي في أسواق المدينة إذا بنبطي معه كتاب من ملك غسان فيه: أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك فالحق بنا نواسك، أي نجعلك مثلنا، فقلت: وهذا من البلاء، فقصدت به التنور فسجرته به.
وصدق كعب إن هذا من البلاء والامتحان، ولكن الإيمان الراسخ في قلب كعب والصدق الثابت في عقيدته منعاه أن يستجيب لهذه الدعوة المغرية التي جاءت في وقت مناسب لولا تثبيت الله لكعب بن مالك على أنه كان في ذلك الوقت في أعز شبابه ابن ثلاث وثلاثين سنة قال كعب: فلما مضت أربعون ليلة إذا برسول رسول الله يأتيني يقول إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: اعتزلها ولا تقربها، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمرما يشاء، فلبثنا عشر ليال حتى كمل لنا خمسون ليلة.
فبينما أنا جالس على ظهر بيت من بيوتنا على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صارخاً على جبل سلع يقول بأعلى صوته: أبشر يا كعب بن مالك. فخررت ساجداً لله وعرفت أن الله قد جاء بالفرج بالتوبة علينا. وانطلقت أقصد رسول الله وتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئونني بتوبة الله حتى دخلت المسجد فسلمت على النبي
والناس حوله فقال وهو يبرق وجهه من السرور: ((أبشر بخير يوم مر عليك مذ ولدتك أمك)) قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: ((من عند الله)) قلت: يا رسول الله إنما نجاني الله بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت، فوالله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله
إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي.
أيها المسلمون: هذه والله هي الغبطة والنعمة والفائدة الكبيرة انظروا إلى هؤلاء الثلاثة الذين صدقوا فأدبهم الله بهذا الهجر من رسوله وأصحابه، وانظروا إلى هذا الإيمان التام من الصحابة، هجروا أقاربهم وبني عمهم امتثالاً لأمر رسول الله حتى إذا ضاقت الحال وتراكمت الكربات جاء الفرج من الله فتاب عليهم وأعلنت توبتهم في كتاب الله تتلوها الأمة إلى يوم القيامة أما الذين نافقوا وكذبوا فأنزل الله فيهم:
سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون
يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين
[التوبة:95-96].
أيها المسلمون: اعتبروا بهذه الآيات وانظروا ما تختارون لأنفسكم فلن يرضى المؤمن إلا أن يكون من الصادقين المتقين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. . .
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
Tafadhal,,,uktub yang shalih